أن تكون إنسانا..
أن تعيش حرا وسط عالم محكوم بنظرة الآخرين، فذلك
أصعب من أن يكون حقيقة، كلنا نريد الحرية، وأن نمارس الحياة وفق ما نشتهي، لكننا نصطدم بالواقع الذي يُذكرنا بأننا جزء ضمن جماعة كبيرة، وهي الجماعة التي حددت ما ينبغي أن يكون بغض النظر عن درجة صوابه، وهي الجماعة التي وضعتنا في إطار بات الخروج عنه مدعاة للرفض، هي أمور ترسخت بشكل عميق حتى صارت طبيعية، فلم يعد هينا أن يستشعر المرء حريته كما يشتهي، ويضل بذلك خاضعا للآخرين بشكل أو بآخر، ولابد له أن يتصرف وفق ما يناسب المجتمع، حتى لا يصير منبوذا، هكذا كانت تسير الأمور ولا تزال بوتيرة أقل مما كانت بقليل، وبقدر ما قلت الوتيرة صار الناس يبحثون عن ملاذ آمن لحرياتهم، وباتت الأقلية تؤمن بالحرية أكثر، رغم أن ممارسة الحرية يضع دائما وجود الآخرين في عين الاعتبار، ورغم كل ذلك يحاول المتحررون أن يعتنقوا حرياتهم رغم اصطدامهم المر بالواقع، ويفعلون حيال ذلك ما يستطيعون.
لطالما كان الآخرون بمثابة قيد للحرية، ولقد صدق جان بول سارتر لما قال بأن الجحيم هم الآخرون، فعلا هم كذلك، وتنشئتنا الاجتماعية تساير هذا الطرح، وتدفعنا لنكون أفرادا داخل مجموعة تشارك وتنتمي وتتفاعل في إطار الجماعة، الأمر ليس صائبا في الحقيقة، ومحاولة ممارسة ما يخالف ذلك يبدو صعبا للغاية، ودائما ما نصطدم بتنشئتنا وثقافتنا التي جعلتنا نسخ متناثرة لعقليات انسجمت بشكل سلبي، قد نبدي اختلافنا ورفضنا لكل تلك السلوكات التي لم تعد ملائمة لطريقة تفكيرنا ولنظرتنا، لكننا ما ننفك نفعل ذلك حتى نتورط من جديد في حقيقتنا، تلك الحقيقة التي يصعب الفكاك منها، رغم محاولتنا الميؤوس منها، نحاول أن لا نكون كذلك، وندرب أنفسنا قدر ما نستطيع، ننجح أحيانا في السيطرة على اختلافنا وفردانيتنا، لكننا نعود إلى ما تربينا عليه في الغالب، نعود مدججين بالخسارة، لقد خسرنا شخصيتنا بسبب تربيتنا التي ورطتنا في خيبات وخطايا تُبعدنا عن إنسانيتنا.