حراك دبلوماسي وسيناريوهات لترتيب الوضع في الشمال السوري

in steemit-syria3 years ago

دمشق – «القدس العربي» : يخفي التصعيد القائم حيال ملف المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية من سوريا، حراكاً تفاوضياً ودبلوماسياً بين الفاعلين المعنيين بالأمر، في مشهد تبدو فيه المصالح المحلية والإقليمية والدولية متشابكة وتعقد الوصول إلى حل.
ويبدو أن أنقرة فتحت الباب موارباً أمام الحرك الدبلوماسي لحل أزمة مخاوفها الأمنية في الشمال السوري بعيداً عن العمل العسكري، حيث تتناقل وسائل إعلام تركية أنباء عن مباحثات روسية – تركية قريبة في العاصمة أنقرة الأسبوع المقبل لبحث التطورات شمال سوريا، وخصوصاً منطقة تل رفعت، بينما تبدو الجهود الروسية لتطويق حدة الخلاف مع قسد واضحة، حيث قالت مصادر محلية إن المفاوضات بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) والنظام السوري برعاية روسية وصلت إلى تفاهمات أولية، في بعض الملفات الهامة المتعلقة بالأمور الإدارية والعسكرية، مشيراً إلى أن موسكو تضغط على الطرفين في اتجاه إيجاد حلول وسطية.
وأشار المصدر إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) تحاول قطع الطريق أمام أي عملية عسكرية تركية في المنطقة، والحفاظ على المنطقة الخاضعة لسيطرتها، موضحا أن «قسد» جادة في مفاوضاتها مع النظام السوري وتنوي التوصل إلى اتفاق يشرعن وجودها في شمال وشرق سوريا، ويبعد الخطر التركي عن المنطقة.
ووفق موقع «باسنيوز» الكردي فإن قائد «قسد» مظلوم عبدي، له دور كبير في الوصول إلى اتفاق نهائي مع النظام لإنهاء الواقع الإداري غير المعترف به من قبل أية جهة في شمال شرق سوريا، ومن أجل تجنب أي حرب مع تركيا. من جهتها، كشفت وسائل إعلام النظام السوري عن دهاليز المفاوضات والوساطة الروسية بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية «قسد».
وذكرت صحيفة الوطن» الشبه الرسمية، إن المبادرات الروسية تتجلى في إقناع قيادات المكون الكردي بسحب مقاتليهم من المواقع محل الخلاف مثل تل تمر وعين عيسى وربما منبج وعين العرب، مقابل تمركز الشرطة العسكرية الروسية فيها لتثبيت تهدئة لحين نضج ظروف الحل المستدام.
وبين المصدر أن جهود الوساطة التي تبذلها الشرطة العسكرية الروسية لتفعيل الاتصال المباشر بين النظام وقيادات قوات سوريا الديمقراطية «قسد» تنتظر وصول وفد من «مجلس سوريا الديمقراطية – مسد» الذراع السياسية لـ «قسد» برئاسة إلهام أحمد إليها، اليوم لإجراء مشاورات على أمل التوصل إلى توافقات تعيد حسابات تركيا بوقف التدخل العسكري، في انتظار اللقاء العسكري الروسي التركي المرتقب في أنقرة خلال الأسبوع الجاري، وللغاية ذاتها.

اقتناص موسكو الفرصة

وفي سياق التوتر القائم، يقابل الحراك السياسي، استعراض قوة في الشمال السوري، حيث تضاعف أنقرة من أعداد قواتها شمال البلاد، وسط مناورات مشتركة للجيش التركي وفصائل المعارضة السورية، وذلك بموازاة مناورات وتدريبات عسكرية لقوات الجيش الروسي وقوات النظام وميليشيا «قسد» كلٍ على حدة.
وعلى ضوء هذه التطورات، استبعد أستاذ العلاقات السياسية الدولية والمحاضر في جامعة باريس، د.خطار أبو دياب شن عملية عسكرية تركية ضد «قسد» شمال سوريا وقال في حديث مع «القدس العربي» إنه «يتضح بعد قمة سوتشي بين الرئيسين التركي والروسي، وبعد قمة روما على هامش اجتماع الرئيسين التركي والأمريكي أنه ليس من ضوء أخضر للعملية التركية في الشمال السوري وعلينا أن نتذكر أن العمليات السابقة درع الفرات ونبع السلام، غصن الزيتون، كانت أيضاً تتم بضوء برتقالي من هاتين القوتين الكبيرتين». وحتى اللحظة ترفض إدارة بادين أي عملية تركية في الشمال السوري، بينما تقتنص موسكو الفرصة لترسيخ نفوذها في تلك المناطق، فهي من جهة تستغل مخاوف قسد، وتدفعها لتقديم تنازلات سياسية للنظام السوري، ومن جهة أخرى تستثمرها كورقة ضغط في مفاوضاتها مع أنقرة، وسط تراخٍ أمريكي.
ورغم الحشود العسكرية، أشار أبو دياب إلى الجهود الروسية حيث قال «كان هناك محاولات من قبل موسكو لاقناع قسد بالتنازل عن منبج لصالح تركيا ولكن النظام لم يتحمس وقسد لم تقبل بهذا الاقتراح، كما شهدنا تخوفاً من أن تتم مقايضة في الشمال السوري حيث تسيطر تركيا والفصائل المقربة منها، وتقضي بدخول النظام ورسيا وايران إلى هذه المناطق حتى الطريق الدولية التي يجري النزاع عليها والممتدة من حلب إلى اللاذقية على الأقل، مقابل تقدم تركي في مناطق قسد لكن هذه المقايضة لا تبدو واقعية في الوقت الحالي».
وعقدت القوات الروسية خلال يومي السبت والأحد الفائتين، اجتماعين مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مدينتي عين عيسى شمالي الرقة وعين العرب شمال شرقي حلب، لمناقشة عودة النظام السوري إلى شمال شرقي سوريا. كما ناقشت مسألة الثروات المحلية كالمحاصيل الاستراتيجية وأحقية النظام بإدارة سد الطبقة والحصة النفطية والغازية.
وحول الضغوط التي تواجهها قسد والخيارات المتاحة أمامها، قال الباحث لدى مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، أيمن دسوقي أن قسد، تواجه ضغوطاً مركبة مع تزايد الانخراط الروسي في شمال شرق سوريا، إلى جانب الضغوط التركية بعملية عسكرية، كذلك اتساع هامش مناورة النظام السوري هناك، مشيراً إلى أنها تخشى من أن تكون ضحية اتفاق القوى كما حدث في عملية نبع السلام وغصن الزيتون، كما أنها تخشى من تراخي الموقف الأمريكي.

لعبة سياسية

ولتخفيف خسائرها، يرى الباحث السياسي أن قسد ستسعى إلى لعبة ما، وذلك «عبر منح الجانب الروسي بعض المزايا، مثلاً مزايا اقتصادية في حقول النفط والغاز وميدانية عبر التخلي عن بعض النقاط لصالحها، على أمل كسب موقفها في مواجهة تركيا».
وفي الأثناء، تسعى تركيا إلى الحصول على دعم أمريكي لطرحها فيما يتعلق بالمناطق الحدودية مع سوريا، لأن ذلك سيعزز موقفها التفاوضي مع روسيا، أو عدم ممانعة أي تحرك تركي في حال فشلت المفاوضات، ويعتقد الخبير السياسي أن مثل ذلك العمل سيكون صعباً في ظل الوجودي الأمريكي والروسي هنالك، كذلك تخفيف دعمها لقوات «قسد». وأبدى الدسوقي اعتقاده بأن إدارة الرئيس بايدن لن تكون متساهلة مع المطالب التركية، عازياً السبب إلى خشيتها من انهيار حليفتها «قسد» التي تعول عليها الإدارة الأمريكية راهناً.
وإزاء توقعاته حول مآل هذه المنطقة رجح الباحث السياسي أن يكون مرهونًا بنتائج المفاوضات بين القوى المتعددة من حيث نجاحها أو فشلها وانزلاق الموقف للتصعيد الميداني.
وحول محور اللقاء التركي – الروسي المرتقب، رجح أيمن دسوقي أن يتصدر اتفاق 2019 بين الجانبين الروسي و التركي أجندة طاولة المفاوضات بين الجانبين، «فالجانب التركي يركز اهتمامه على تطهير المنطقة الحدودية من تواجد كل ما له علاقة بمنظومة PKK، كذلك إزالة التهديد المنبعث من بؤر PKK وحلفائه كما في تل رفعت ومنبج، إلى جانب ضمان الوضع الراهن لمناطق تواجد القوات التركية في الداخل السوري، الأمر الذي يتماشى من المقاربة التركية «المنطقة الآمنة» التي لا ينطلق منها تهديد أمني ضدها، وتكون مستقرة وجاهزة لاستقبال اللاجئين السوريين». في المقابل ستدفع روسيا أكثر إلى «تضمين حليفها النظام السوري في الترتيبات الناشئة»
وفسر الباحث لدى مركز الحوار السوري محمد سالم التراخي الأمريكي حيال التحركات الروسية، يشير إلى ملامح تعاون روسي – أمريكي في شرق الفرات. وقال سالم لـ «القدس العربي» يمكن أن «يفسر ذلك على أنه تحضير لانسحاب أمريكي، تتحفز تركيا وتبذل كل جهودها للحصول على مكاسب من أي تغيير في خريطة السيطرة في حال حدوث انسحاب أو إعادة ترتيبات».
حول الرؤية التركية قال سالم: أنقرة ليست بوارد التخلي عن أي منطقة، بل هي تحاول أخذ مناطق تل رفعت وربما مناطق أخرى شرق الفرات مقابل سكوت او اعتراف ضمني بنفوذ روسيا شرق الفرات في حال ترتيب نفوذها مع الامريكان فيه.
وإزاء كل هذا أن التصعيد العسكري والإعلامي يقول سالم «هو أساس حساب موازين القوى على طاولة المفاوضات لان البديل عند تعثر المفاوضات هو الميدان بالتالي يحاول كل طرف أن يقوي أوراقه على الطاولة من خلال تأكيد استعداده للميدان».

المصدر

Coin Marketplace

STEEM 0.16
TRX 0.15
JST 0.028
BTC 54260.52
ETH 2284.10
USDT 1.00
SBD 2.30